النزف والجروح
تعريف وتصنيف
د سامي القباني
يدور في جسم الشخص البالغ حوالي 5 ليترات من الدم، تدفعها عضلة القلب التي تتقلص حوالي 60 مرة كل دقيقة، حاملة الأوكسجين والأغذية الضرورية للحياة إلى أنسجة الجسم وخلاياه، عن طريق أوعية دموية متينة هي الشرايين، التي تتفرع إلى أوعية تتناقص في الحجم حتى تصبح شعيرات دموية، تحمل نفايات الخلايا وغاز الفحم عودا إلى القلب، عن طريق أوعية رقيقة اسمها الأوردة، ثم يضخ القلب الدم الوريدي إلى الرئتين حيث يتم طرح غاز الفحم ويتلقى الدم الأوكسجين من الهواء، قبل عودته إلى القلب حيث يدفعه إلى أنسجة الجسم من جديد.
عندما يصاب الإنسان بجرح، يتسرب الدم خارجا من عروقه بسبب الضغط داخل الأوعية الدموية، فإذا كان النزف صادرا من أحد الشرايين، كان لون الدم أحمر قانيا، واندفاع الدم متزامنا مع نبضات القلب. وإذا كان الدم صادرا من أحد الأوردة، كان لون الدم أحمر قاتما ومائلا إلى السواد، وانصبابه أقل اندفاعا، وإذا كان مصدر الدم الشعيرات الدموية، كانت كميته قليلة وكان النزف على شكل نزح دموي.
وفي جسم الإنسان آليات طبيعية لتوقيف النزف أو تخفيفه، فعند حدوث جرح تتقلص نهايات الأوعية الدموية مكان النزف لتحد من غزارة النزف، ثم تتشكل الخثرات الدموية بهدف سد الأوعية المقطوعة، لكن هذا يكون فعالا في نزف الشعيرات الدموية والأوردة وحسب، لأن تدفق الدم يكون عندها بطيئا. أما في نزف الشرايين، فيزداد احتمال انجراف أية خثرات تكون قد تشكلت تلقائيا، ما يدعو لاستمرار النزف.
مضاعفات النزف – من الضروري أن يبقى هناك حجم كاف من الدم في الأوعية الدموية، كي يصل الدم إلى سائر النسج والأعضاء ويعطيها ما يلزمها من أوكسجين وغذاء، فإذا حصلت -بسبب النزف- خسارة كبيرة من الدم، أدى هذا لتخرب الأنسجة، وبالنهاية موتها. وأهم الأعضاء التي يؤثر تخربها على صحة الإنسان، وقد يؤدي تلفها وقصور وظيفتها لوفاته، هي الأعضاء الحيوية: القلب والرئتان والدماغ والكليتان والكبد
– ثم إن كل الجروح الخارجية معرضة للإصابة بالخمج (الالتهاب الجرثومي)، وهذا قد يسبب طيفا من الأمراض للمصاب بالنزف، قد تصل إلى حد الإنتان الدموي، كما قد يعرض أي شخص يلمس الجرح الملوث (بما فيه الطبيب المعالج) للعدوى.
تصنيف الجروح يمكن تصنيف الجروح بشكل عام إلى فئتين:
مفتوحة ومغلقة. أما الجروح المفتوحة فتحصل في الجلد وتؤدي إلى تسرب الدم لخارج الجسم، وفيما يلي أنواع هذه الجروح:
1- الحز أو الشق ويحدث بفعل احتكاك الجلد بآلة حادة كالمشرط (السكين) أو الشفرة، أو الصفيحة المعدنية أو حتى حد الورقة، وهذا النوع قد يدمي بشكل خفيف أو بغزارة، بحسب عمقه والمنطقة الجلدية التي تعرضت له.
2- الجرح المتهتك ويكون غير منتظم الحواف، كما يحصل من التعرض للأسلاك الشائكة أو بعض الآلات، وبينما تكون الجروح المتهتكة أقل نزفا، لكنها أكثر تعرضا للتلوث والالتهاب الجرثومي (الخمج).
3- الجرح الوخزي الذي يتم برأس آلة حادة كالابرة أو الدبوس أو المسمار، وهذه قد يتولد عنها ضرر داخلي خطر إن أصابت عضوا هاما في الجسم، كما قد ينشأ عنها عدوى خطرة، لأنها تنقل الجراثيم إلى داخل الجسم.
4- السحجات أو الكشوط مثل التي تحدث بسبب سقطة انزلاقية، وينتج عنها كشط لطبقات الجلد الخارجية، وغالبا ما تكون محتوية غلى ذرات التراب والأوساخ، وهي سريعة التلوث وعرضة للالتهاب الجرثومي.
5- وهناك الجروح المخردقة أو المنتشرة التي تحدث من الطلقات النارية، والتي تسبب أضرارا للأعضاء الداخلية أهم من النزف الخارجي من الجلد. وأما الجروح المغلقة، فتؤدي إلى نزوح الدم من الدورة الدموية لا إلى خارج الجسم، بل إلى داخله، وأكبر مثال عليها الرضوض الناتجة عن السقوط على الأرض، أو الضرب بآلة كليلة (لا شاقة ولا واخزة)، والتي ينتج عنها الكدمات في الأنسجة المحيطة بالرض. وقد تظهر الجروح المغلقة للعيان بصورة تجمعات دموية تحت الجلد، أو تكون عميقة وخفية فلا تبدي دليلا خارجيا على وجودها. وفي هذه الجروح المغلقة ينبغي دائما الأخذ بعين الاعتبار حدوث ضرر في التركيبات الجسمية تحتها، كالكسور العظمية أو تهتك عضو كثير التوعية كالطحال أو الكبد. أنواع النزف كما هي الحال في الجروح يصنف النزف إلى خارجي وداخلي. أما النزف الخارجي، فيمكن تصنيفه إلى ثلاث زمر تبعا لنوع الوعاء الدموي المتضرر:
1- النزف الشرياني وهو أخطر الأنواع، ويجب أن يكون أول ما يعالج في حالات الإسعاف -فأهميته تعادل أهمية توقف التنفس، ويعرف بلون الدم الأحمر القاني، وقوة اندفاع الدم فيه، لأن الدماء تكون آتية لتوها من القلب.
2- النزف الوريدي ويكون الدم فيه ذا حمرة داكنة لأنه أقل احتواء على الأكسيجين من الدم الشرياني، وأقل اندفاعا لأنه تحت ضغط أقل، وهو غير غزير إلا في حال انثقاب وريد رئيسي.
3- النزف الشعيري وهو أكثر أنواع النزوف شيوعا، ويأتي من الأوعية الشعرية المتواجدة في كل مكان تحت الجلد، وهو ما يحصل في حال الجروح الخفيفة. وأما النزف الداخلي، فلا يظهر للعيان، ويحدث إما بسبب حوادث رضّية كالكسور، أو نتيجة لحالة مرضية كالقرحة الهضمية، وهو كثيرا ما يكون أشد ضررا من النزف الخارجي، لأنه ليست هناك وسيلة لتقدير حجمه إلا بوضع المصاب السريري والفحوص المخبرية.